الخبرة الحسابية في الدعاوى التجارية :
قد يصح مصطلح (الخبرة الحسابية) في الدعاوى المدنية التي تتطلب خبرة حسابية لاحتساب استحقاقات محددة وثابتة، كالخبرة المطلوبة لاحتساب استحقاقات الورثة من التركة وفقاً لحصصهم الإرثية، فمثل هذه الخبرة تتم بعمليات حسابية بسيطة، وكذلك الخبرات الحسابية المطلوبة في دعاوى الإيجارات والخبرة الحسابية لاحتساب الفوائد المترتبة على استحقاقات محددة.
أما في الدعاوى التجارية التي تم إحداث محاكم خاصة بها، فإن الخبرة الحسابية فيها هي في حقيقتها خبرة فنية مالية ومحاسبية وتجارية، فهي تتعدى المفهوم اللفظي لمصطلح (الخبرة الحسابية).
فعلى الخبير إيجاد الآليات والسبل التي تساعد في الوصول إلى الحقيقة أو على الأقل الاقتراب منها، فقد لا يجد المعطيات والوثائق التي تمكنه من الوصول إلى نتائج دقيقة في تحديد حقوق والتزامات أطراف الدعوى، مما يضطره إلى البحث عن آليات ومعطيات تساعده في الوصول إلى نتائج معقولة ومنطقية تكون أقرب ما يمكن إلى الحقيقة والواقع.
وهذا يحتاج إلى تأنٍ ومعرفة وقدرة على الاستفادة من علم الخبير وخبرته العملية في إيجاد الطرق والوسائل الأمثل للوصول إلى النتائج المطلوبة من قبل المحكمة، وخاصةً في حال عدم توفر البيانات والحسابات التي يمكن اعتمادها في إجراء الخبرة المطلوبة.
وعلى هذا الأساس فإنه يجب أن يتمتع الخبير الحسابي في الدعاوى التجارية بكفاءة ومؤهلات علمية وعملية عالية وممارسة طويلة في هذا المجال تكسبه خبرات مؤكدة متراكمة ودراية بالأمور القانونية المتصلة بالقضايا التجارية والشركات والعرف التجاري السائد في البلد أو المنطقة التي تم فيها العمل التجارية موضوع الدعوى، وهذا ما يجعل الخبرة القضائية اختصاصاً بحد ذاته.
وهذا ما يستوجب إيجاد الآليات الناجعة لاختيار الخبراء والتأكد من تمتع الخبير بالأمانة والسمعة الحسنة والخبرة العملية التي يجب أن لا تقل عن عشر سنوات بالإضافة إلى إلمامه الشامل بالقواعد والمبادئ العلمية في مجال اختصاصه الذي يجب أن يكون شهادة جامعية في (التجارة والاقتصاد) بالنسبة للخبير الحسابي.
ولا بد من الإشارة إلى الفارق بين عمل (الخبير الحسابي) في الدعاوى التجارية وعمل المحاسب أو المحاسب القانوني، فالمحاسب أو المحاسب القانوني يتوصل إلى نتائج محددة من خلال الوثائق والبيانات والسجلات الموضوعة بين يديه دون أي اجتهاد أو تقدير له، بينما الخبير القضائي يحق له عدم اعتماد الوثائق والسجلات والحسابات المقدمة له واللجوء إلى آليات وسبل أخرى للتوصل إلى نتائج مقنعة وصحيحة بعد عرض حيثيات ذلك في تقريره.
كما أن عمل (المحاسب القانوني) في مجال تدقيق الحسابات يختلف عن عمل المحاسب القانوني في إعداد الحسابات والنتائج، ففي الحالة الأولى يحق له إبداء الرأي والملاحظات وفقاً للمعايير المعتمدة في مجال تدقيق وتفتيش الحسابات والإفصاح والشفافية، وأما في الحالة الثانية فهو مقيد بالوثائق والسجلات المقدمة له.
إن عمل تدقيق الحسابات وفق القانون 33 لعام 2009 يتم وفقاً لأحكام قانون الشركات وقانون ضريبة الدخل، وهذا العمل يختلف عن عمل الخبراء الحسابيين في الدعاوى التجارية، ففي كثير من الحالات تتم الخبرة دون وجود دفاتر أو قيود محاسبية وفي حال وجودها لا يؤخذ بها في أغلب الأحيان كونها غير نظامية ولا تعبر عن الأرقام الحقيقية.
وأخيراً لا بد من الإشارة إلى ضرورة وجود تصنيف للخبراء الحسابيين في المحاكم التجارية يساعد في اختيار الخبير المناسب لكل دعوى، فهناك دعاوى كبيرة ومعقدة تحتاج إلى خبير ذو مستوىً عالٍ، وهناك دعاوى بسيطة يمكن أن يقوم بالخبرة المطلوبة فيها خبير عادي. وهذا الأمر موجود في كافة الاختصاصات والمجالات.
ويبقى عمل الخبير الحسابي في المحاكم هو الأساس الذي يمكن على أساسه تقييم الخبير وتحديد مستواه من قبل المحكمة المختصة التي يجب أن يكون لها القرار النهائي في تعيين الخبير.
تنويه: إن طبيعة عمل الخبرة الحسابية في الدعاوى التجارية تتطلب تسليم ملف الدعوى للخبير للاطلاع على المذكرات والوثائق والمحاضر المحفوظة في الملف ودراسة ما يتعلق منها بعمل الخبرة. فمثلاً قد يقر أحد أطراف الدعوى في محضر الاستجواب بحق معين لخصمه، على الخبير أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار.
تقرير الخبرة الحسابية :
إن عمل الخبرة الحسابية يحتاج إلى تأنٍ ومعرفة وقدرة على الاستفادة من علم الخبير وخبرته في إيجاد الطرق والوسائل الأمثل للوصول إلى النتائج الدقيقة المطلوبة من قبل المحكمة، وخاصةً في حال عدم توفر البيانات والحسابات التي يمكن اعتمادها وإجراء الخبرة المطلوبة وفقها.
وعلى هذا الأساس فإنه يجب أن يتمتع الخبير الحسابي بكفاءة ومؤهلات علمية وعملية عالية وممارسة طويلة في هذا المجال.
سأعرض فيما يلي ما أراه مفيداً في إعداد تقرير الخبرة الحسابية، وفقاً لتجربتي وممارستي لهذا العمل الذي حاولت أن أجتهد به وأتقنه (والله أعلم):
مقام محكمة . . . . .
الموضوع: تقرير خبرة حسابية
رقم الدعوى:
الجهة المدعية:
الجهة المدعى عليها:
تنفيذاً للقرار الإعدادي المتخذ بجلسة / / المتضمن إجراء الخبرة الحسابية على . . . . .
تم استلام المهمة بتاريخ / /
في الدعوى :
(يُدوّن ضمن هذا البند أهم ما جاء في مذكرات الجهة المدعية والجهة المدعى عليها وخاصةً مذكرة الإدعاء التي يقدمها وكيل الجهة المدعية والمذكرة الجوابية التي يقدمها وكيل الجهة المدعى عليها).
(ويمكن أن يُدوّن أيضاً بعض ما ورد في أوراق أخرى مهمة كالعقود ومحاضر الاستجواب).
في عمل الخبرة:
(يُذكر في هذا البند كافة الأعمال التي قام بها الخبير والوثائق والبيانات التي حصل عليها من الطرفين، وتحليل الأرقام والبيانات التي قام بها، والأسس التي اعتمد عليها).
نتيجة الخبرة:
(ضمن هذا البند وهو الأهم في التقرير بالنسبة للمحكمة، يضع الخبير الخلاصة والنتائج التي توصل إليها بشكل واضح لا يحتمل أي لبس أو تأويل).
(يجب اختيار التعابير المالية والمحاسبة السليمة والدقيقة، فمثلاً عندما يكون المبلغ ناتج عن حسابات وبيانات معتمدة تستعمل كلمة (بلغ أو يبلغ) وعندما يكون المبلغ ناتج عن تقديرات توصل إليها الخبير تستعمل كلمة (قدرت أو تقدر)، كما يجب تفقيط المبالغ المحددة بنتيجة الخبرة كاملةً).
ملاحظة:
يجب ذكر المرفقات المربوطة بالتقرير في متن التقرير أو في أسفل الصفحة الأخيرة منه على يمين توقيع الخبير.
ملاحظة هامة:
عندما تكون الخبرة ثلاثية، يجب وضع خطة عمل يتفق عليها الخبراء تمنع انفراد أحدهم بأي تصرف أو تحرك إلا بمعرفة الثلاثة.
وعلى كل خبير منهم أن يُدرك أن توقيعه على التقرير يعني مسؤوليته القانونية والمسلكية عن كل ما جاء في التقرير.
خاتمة
أستطيع أن أقول أن الخبراء هم جناحٌ مهم في ميزان العدالة كما هم المحامون، عليهم أن يعملوا في المساعدة على إظهار الحق وعدم محاباة أي طرف من أطراف الدعوى لأي سببٍ كان.
ورغم أن القضاة هم الجناح الأكبر والأهم في ميزان العدالة، إلا أن أي خلل في عمل المحامين والخبراء يؤدي حتماً إلى إخلال بميزان العدالة كله.
وعلى الجميع أن يُدرك أن (الصدق منجاة)، وأن العدل إن لم يتحقق على الأرض فلابد أن يتحقق يوم الحساب.
يتبع في المقال القادم.